shimery.com
New Page 1
 
shimery.com



سفارة اليمن بمصر


مقالات                      

تفاصيل المقالة
الشرخ العلمي في المجتمع 
 من اجل القضايا العربية

  الأهرام المسائي

الشرخ العلمي في المجتمع
في سمر حزين بفندق شيراتون الجزيرة بمناسبة وداع عدد من الزملاء السفراء الذين كانوا يستعدون للرحيل عن القاهرة لانتهاء فترة أعمالهم.
كانوا كمن يبكي الفراق، حتى أولئك الذين سيذهبون إلى بيروت الساحرة، وواشنطن الزاخرة.
فعجبت للقاهرة الساهرة، كيف تستهوي القلوب، وتستولي على النفوس رغم زحامها، وتلوثها في المناخ، وتراكم السيارات، وتعثرات حركة المرور، وهنا تيقنت أن الحبَّ الذي يحظى به أي مكان كالحب الذي يحظى به أي إنسان، إنما هو موهبة من الله، ورزق من السماء.
أنَّى ينام متيمٌ في القاهرة

الليل فيها أغنيات للهوى ________________________

 

وإذا غفت عيني فأذني ساهرة ________________________

ولم تغب عن ذاكرتي وداعية الحزن والفراق

اليا من يعز علينا أن نفارقه ________________________

 

وجداننا كل شيء بعدكم عدم ________________________

لكن القضية التي أثارها السفير د. علي أومليل، سفير المغرب، واستثارت انتباهي، ودفعت السيد الأمين العام عمرو موسى للحديث عنها، هي قضية الهوية الثقافية، وأن الجامعة العربية ليست هي كل شيء يربط العرب، وإن محاولات خصوم العربية لن ينالوا منها شيئًا مادامت آصرة الثقافة العربية قائمة ومتينة، والرباط الثقافي هو أقوى روابط الهوية، فالكتاب الذي يصدر بالعربية إن كان يستحق القراءة فلن يعدم قراءًا له من مشارق الوطن العربي إلى مغاربه، كما كانت الأغنية العربية الهادفة والمؤثرة هي أغنية كل العرب، بغض النظر عن قطرها، وقائلها، ومغنيها، كما هو الحال في المسلسلات والأفلام، والفكاهات، وبالتالي فالهوية الثقافية إذا سلمت بين العرب جميعًا من التدمير، فإن كل محاولات الاستهداف لهذه الأمة العربية سوف تفشل ولن تنجح.
وهنا عادت بي الذاكرة إلى ما كنا نتحدث فيه من شرخ كبير بين ركني الثقافة وعموديها، ومن الذي يستحق أن يسمى عالمًا بحق، أهو الإنسان الذي تخرج من جامعة إسلامية شهيرة كالأزهر، والمدينة المنورة، ومكة المكرمة، وغيرهم؟ وهو الذي حفظ القرآن وجوَّده ورتَّله واستوعب آلافًا من الأحاديث والسير والقصص، وعلم أحكام الحلال والحرام، وارتدى الزي المشائخي، وتوج هامته بعمامة بيضاء، وأطلق لحيته، وبدت على جبهته آثار السجود؟ أم ذلك الذي درس في جامعة السيربون، وأتقن الفرنسية والانجليزية، إلى جانب العربية، وقرأ أسفار التاريخ الأوروبي، ومكنون القوانين الغربية والشرقية، وتبحر في علوم القانون الدولي، والتشريعات المدنية، وتخصص في السياسة الدولية، وشارك في آلاف المؤتمرات، ومئات الندوات، وحضر صياغة برامج العمل، وتنظيم السياسات، وكتب تحليلات فنية وسياسية، واكتشف توجهات الدول والأنظمة، وأساليب التعاملات، والرحلات، ووسائل الاتصال وأنظمتها، وغير ذلك؟ أم العالم الحقيقي هو الذي عرف أسرار الكيمياء وخبايا الصناعة، وكنوز الزراعة، ودقائق علوم البحار، والكواكب، والفضاء، والطب، والالكترون؟ أي الأشخاص الثلاثة هو العالم؟ وأي فئة من الفئات الثلاث يطلق مصطلح علماء، خاصةً وأن كل فئة من هذه الفئات ترى أنها الأجدر والأحق بهذا اللقب، وبهذه الصفة.
فالعلم هو النور الذي تخرج به الأمم من الظلمات إلى النور، وهو سر السعادة والنصر وأساس النجاح، وطريق النصر.
فأي نوع من أنواع المعرفة يسمى العلم؟ خاصة في ظل الصراع المتفاقم على امتلاك هذه الصفة القدسية، والاستئثار بهذا التاج العظيم.
وعلى مائدة ذلك العشاء في حفلتنا حيث كان النقاش يدور بين سبعتنا على الطاولة المستديرة، كان السيد إبراهيم الماجد قد أثار الأفكار الجريئة والاجتهادات المغامرة للأستاذ السوري محمد شحرور الذي ملأ المكتبات بكتبه الهائجة، وأفكاره المتوهجة حتى نال كل الرضا وكل الغضب، وكل العجب، وأضحك وأبكى، ولكنه فيما استحلى الابتكار، وزاد في الاجتهادات، قد أنكر المعلوم، وتجاوز الحد المفهوم، كإنكاره للمرادفات اللفظية، والتكرار والتوكيد، وتعريفه (للجيب) في عنق المرأة وما حول الصدر بأنه ليس المقصود به إلا العانة من المرأة وما تحتها، وهو الجيب المقصود في الآية الكريمة، "وقل للمؤمنات يدنين عليهن من جلابيبهن وليضربن بخمرهن على جيوبهن" وبالتالي فتلك المنطقة وحدها هي عورة المرأة التي يجب عليها أن تسترها من جسدها، وعلى تعالي أصوات الضَّحك السَّاخر من هذا الفهم الجديد، والاجتهاد في مفردات اللغة، تذكرت مقالة قيمة للدكتور محمد عمارة فيلسوف الفكر الإسلامي الذي قال: "ليس العالم هو الذي يعلم أحكام الدين وأصول الشريعة فقط، وليس العالم هو الذي يعلم شئون الحياة وفقه الواقع وعلوم العصر فقط، ولكن العالم الذي يستحق هذا اللقب، ويدعي العالم هو الذي يفقه أحكام التنزيل ونصوص الشريعة، ويعي الواقع، ويفهم قواني الحياة والعصر، ثم يسقط الأحكام الشرعية على فقه الواقع، ويستنبط الأحكام المناسبة لظروف الحياة من فقه الواقع، وبالتالي يكون عالمًا حقيقيًا يلبي حاجة العصر، وينفع المجتمع، ويسقط الفقه على مساقطه الحقيقية، وبالتالي فالعالم سيكون رائد الحياة، والعالم سيكون مجددًا، ومفيدًا للمجتمع."
هذه العبارات التي أسوقها بالمعنى وقت من نفسي موقع الإعجاب، وأدركت أن سر الشروخ والانشقاق الثقافي بين أبناء أمتنا هو إدعاء العلم، والاستئثار بهذا اللقب من طائفةٍ لا تستحقه اليوم كاملا، وبالتالي يبدأ الشقاق، وتنتهي بالجفوة والقطيعة بين العلماء الذين لم تتكامل فيهم صفة العلم، ولم تكتمل لهم حقيبة أسرار المعرفة التي تجعل من العالم ذا أهلية وقدرة على الفتوى، والإرشاد، والتبصير، والتنضير، وهنا أرجو أن يعمل كل طرفٍ من أطراف المعرفة على فقه الواقع، وعلم الحياة، وفهم متطلبات الدين حتى تتكامل الثقافة.

 
  رجوع 
shimery.com
مقالات | ألبوم الصور | مؤتمرات | لقاءات صحفية | نشاط ثقافي
لمراسلة موقع السفير راسلنا علي
info@shemiry.com